أقوى رسالة مكتوبة للحث على الجهاد !
كتبها الشيخ إبراهيم الربيش - سدده الله وثبته ونفع به ..
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
أخا الإسلام ::
هل لك أن تسمعني قليلًا وتعطيني جزءًا من وقتك الثمين, أناديك يا أخا الدين -والله يعلم أني لك ناصحٌ أمين- أريد لك الخير وأحب لك ما أحب لنفسي, لم يدفعني لهذه الكلمات إلا محبتك والشفقة عليك وقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "بلغوا عني ولو آية", قد تستغرب كلامي, قد لا تقبل بعضًا مما أقول, لكني أدعوك وقد أعطاك الله عقلًا وفهمًا أدعوك لتقف مع الأدلة, تأملها وانظر في ما قاله الأئمة السابقون في أحوالٍ تشابه أحوالنا, فلعلك تتفق معي أنّ الخلل في فهم الأدلة أقرب إلينا منه إليهم, راجيًا أن تتجرد للدليل ولا ترد حقًّا لأن فلانًا لم يقل به, فإذا كان علماؤنا علّمونا أن لا نرد الحق بمذهب أبي حنيفة أو مالك أو الشافعي أو أحمد -رحمهم الله- فلأن لا نرده بأقوال من بعدهم أولى وأجدر, فليس من المعقول أن نعلِّم الناس عدم التعصب لأقوال الأئمة السابقين ثم يروننا نتعصب لأقوال المتأخرين.
قف يا أخي معي وتأمل في ما أقول واطلب نجاتك قبل نجاة أي أحد.
إن المتقرر في كتب أهل العلم استنباطًا من الكتاب والسنة, أن الجهاد فرض كفاية, إذا قام به من يكفي سقط الإثم عن الباقين, ولكنه يصير فرض عينٍ في ثلاث حالات, إحداها إذا داهم العدو بلدًا من بلدان المسلمين؛ فإنه يجب على أهل ذلك البلد دفعه, فإن لم يستطيعوا توسّع الوجوب حتى يردوا المعتدين وإلا أثِموا جميعًا, وفي تأكيد هذا تكاثرت نصوص أهل العِلم.
قال شيخ الإسلام -رحمه الله-: "فأما إذا أراد العدو الهجوم", لاحظ أنه قال أراد الهجوم فكيف إذا هجم!, "فأما إذا أراد العدو الهجوم على المسلمين فإنه يصير دفعه واجبًا على المقصودين كلهم وعلى غير المقصودين لإعانتهم كما قال الله تعالى: (وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلاَّ عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ), وكما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بنصر المسلم وسواءٌ كان الرجل من المرتزقة للقتال أو لم يكن, وهذا يجب بحسب الإمكان على كل أحدٍ بنفسه وماله مع القلة والكثرة والمشي والركوب كما كان المسلمون لمّا قصدهم العدو عام الخندق لم يأذن الله في تركه لأحد كما أذِن في ترك الجهاد ابتداءً لطلب العدو الذي قسّمهم فيه إلى قاعدٍ وخارِج, بل ذمّ الذين يستأذِنون النبي صلى الله عليه وسلم, (يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِن يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَاراً) فهذا دفعٌ عن الدين والحرمة والأنفس, وهو قتال اضطرار, وذلك قتال اختيار للزيادة في الدين وإعلائه ولإرهاب العدو كغزاة تبوك".
وقال في بدائع الصنائع: "وإن ضعف أهل ثغرٍ عن مقاومة الكفرة وخيف عليهم من العدو؛ فعلى من وراءهم من المسلمين الأقرب فالأقرب أن ينفروا إليهم وأن يمدوهم بالسلاح والكراع والمال, لما ذكرنا أنه فرضٌ على الناس كلهم ممن هو من أهل الجهاد, لكن الفرض يسقط عنهم بحصول الكفاية بالبعض, فما لم يحصل لا يسقط... إلى أن قال: فأمّا إذا عمّ النفير بأن هجم العدو على بلدٍ فهو فرض عينٍ يفترض على كل واحد من آحاد المسلمين ممن هو قادرٌ عليه, لقوله سبحانه وتعالى: (انْفِرُواْ خِفَافاً وَثِقَالاً) قيل نزلت في النفير, وقوله سبحانه وتعالى: (مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُم مِّنَ الأَعْرَابِ أَن يَتَخَلَّفُواْ عَن رَّسُولِ اللّهِ وَلاَ يَرْغَبُواْ بِأَنفُسِهِمْ عَن نَّفْسِهِ), ولأن الوجوب على الكل قبل عموم النفير ثابت, لأن السقوط عن الباقين بقيام البعض به فإذا عمّ النفير لا يتحقق القيام به إلا بالكل فبقي فرضًا على الكل عينًا بمنزلة الصوم والصلاة, فيخرج العبد بغير إذن مولاه والمرأة بغير إذن زوجها... إلى أن قال: وكذا يُباح للولد أن يخرج بغير إذن والديه لأن حق الوالدين لا يظهر في فروض الأعيان كالصوم والصلاة, والله سبحانه وتعالى أعلم".
وقال في بداية المجتهد: "وعامة الفقهاء متفقون على أن من شرط هذه الفريضة إذنُ الأبوين في الجهاد فيها إلا أن تكون عليه فرض عين مثل أن لا يكون هنالك من يقوم بالفرض إلا بقيام الجميع به".
وقال في تكملة المجموع: "والجهاد فرض عينٍ على كل مسلم إذا انتُهِكت حرمة المسلمين في أي بلدٍ فيه لا إله إلا الله محمد رسول الله, وكان على الحاكم أن يدعو للجهاد وأن يستنفر المسلمين جميعًا وكانت الطاعة له واجبةً بل فريضةً كالفرائض الخمس لقول الله تعالى: (انْفِرُواْ خِفَافاً وَثِقَالاً)".
وقال في الفروع: "قال شيخنا: جهاد الدافع للكفار يتعين على كل أحد ويحرم فيه الفرار من مثليهم لأنه جهاد ضرورة لا اختيار, وثبتوا يوم أحد والأحزاب وجوبًا, وكذلك لمّا قدِم التتر دمشق".
وقال في الإنصاف: "مفهوم قوله (أو حضر العدو بلده) أنه لا يلزم البعيد, وهو الصحيح إلا أن تدعو حاجة إلى حضوره كعدم كفاية الحاضرين للعدو فيتعين أيضًا على البعيد".
وقال ابن باز -رحمه الله- في مجموع فتاويه: "أما الجهاد الواجب الذي يهجم العدو على البلد فيجب على الجميع الجهاد إذا هجم العدو على بلاد المسلمين, وجب عليهم كلهم أن يجاهدوا وأن يدفعوا شر العدو عنهم حتى النساء يجب عليهن أن يدفعن شر العدو بما استطاعوا, أما جهاد الطلب فكونه يذهب إلى العدو في بلاده ويجاهد في بلاده فهذا فرض كفاية على الرجال" انتهى كلامه رحمه الله.
هذه نصوص أهل العلم وغيرها كثير أنقلها لك لا أستدل بها وإنما أسوقها لأنها وافقت الدليل لنرى كيف فهم أئمتنا وسلفنا نصوص الشرع وأدلة الوحي.
أدعوك لتأملها كيف أنهم قالوا ذلك في عصورٍ أسوأ ما يُقال عنها أنها أحسن حالًا من عصرنا, بالله عليك إن لم تنطبق هذه النصوص على عصرنا فعلى أي عصرٍ يمكنها أن تنطبق, وعلى أي حالٍ نستطيع أن ننزلها؟
إنّ الذي لا شك فيه أن إخواننا المستضعفين بأمس الحاجة إلى النصرة بجميع أشكالها, ولا تقول عندهم الكفاية فلو كانت الكفاية عندهم لما عبث العدو بديارهم عقودًا ينعم بالأمن, وإن كنت تلومهم بالتقصير فهبهم قصّروا ألا ينتقل الوجوب إلى من يليهم حتى يصل إلينا كما سلف بيانه من كلام أهل العِلم؟
بنظرةٍ سريعةٍ من أدنى مُطلع نعلم أن اليهود احتلوا فلسطين منذ ستين عامًا, وأمريكا احتلت العراق واستقرت في أفغانستان وبثّت قواعدها في جزيرة العرب وفي غيرها من ديار المسلمين وأقامت في ديار الإسلام حكومات عميلة لا يشك المُنصف أنّ هذه الحكومات لها تاريخٌ طويلٌ حافلٌ بنصرة الكافرين وخذلان المسلمين فهي الدرع الواقي لليهود والصليبيين وهي أول عقبةٍ في طريق المجاهد إذا أراد نصرة إخوانه بنفسه أو ماله بل وحتى الدعاء, أضِف إلى ذلك تلبُّس تلك الحكومات بنواقض مختلفة من نواقض الإسلام منها الحكم والتحاكم إلى غير ما أنزل الله كما في قوانين الأمم المتحدة وقوانينهم الوضعية ونصرة الكافرين على المؤمنين وذلك بدخولهم في التحالف العالمي ضد الإسلام باسم الإرهاب, وإباحة ما حرّم الله كالربا الذي يُحارَب الله به علانية وكالخمر التي تُباع في بعض بلاد المسلمين بلا نكير, ومنها حماية من يسب الدين صراحةً تحت مسمى الحرية الصحفية إلى آخر تلك النواقض.
دعني يا أخي أفترض أن تلك الحكومات حكومات شرعية وخلافاتٌ راشدة لا مطعن فيها لمن طعن, الجميع يتفق -مُحِبوها قبل مُبغِضيها- أنها خذلت المستضعفين من المؤمنين في كل مكان وإذا كان الحال على ما ذُكِر؛ وجب الجهاد بلا رجوعٍ إليهم فإن أهل العِلم عندما نصّوا على أن الجهاد موكولٌ إلى الإمام أكّدوا أنه لا يُعطّل بتعطيل الإمام.
قال ابن قدامة: "فصلٌ: أمر الجهاد موكولٌ إلى الإمام واجتهاده... ثم قال: فإن عُدِم الإمام لم يؤخّر الجهاد لأن مصلحته تفوت بتأخيره".
وجاء في تكملة المجموع, قال المُصنِّف رحمه الله تعالى: "فصلٌ: ويُكره الغزو من غير إذن الإمام أو الأمير من قِبله لأن الغزو على حسب حال الحاجة والإمام الأمير أعرف بذلك, ولا يحرُم لأنه ليس فيه أكثر من التغرير بالنفس والتغرير بالنفس يجوز في الجهاد".
قال المُطيعي تعليقًا على هذا الكلام: "أما كراهة الغزو إلا بإذن الإمام فحق, إلا إذا تخاذل الإمام ونكص على عقِبيه فقد وقع الفرض على المسلمين بالقتال فورًا".
أما وجوب الاستعداد بكافة الأسلحة على اختلاف أنواعها فقد أوجبها المصدر الأول للمسلمين إذ يقول الله عز وجل: (وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللّهُ يَعْلَمُهُمْ).
وقال ابن حزم رحمه الله: "ولو أن إمامًا نهى عن قتال أهل الحرب لوجبت معصيته في ذلك لأنه أمر بمعصيةٍ فلا سمع ولا طاعة له, وقال تعالى: (فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ لاَ تُكَلَّفُ إِلاَّ نَفْسَكَ) وهذا خطابٌ متوجه إلى كل مسلم فكل أحدٍ مأمورٌ بالجهاد وإن لم يكن مع أحد". انتهى كلامه رحمه الله.
هذه النصوص قالها أهل العِلم في معرض الحديث عن قتال الطلب, وهو غزو الكفار في ديارهم, فكيف ما نحن فيه من قتال الدفع, لا شك أنه أولى بمثل هذا الكلام.
وقال الشيخ عبد الرحمن بن حسن بن محمد بن عبد الوهاب: "بأي كتابٍ أم بأية حجة أن الجهاد لا يجب إلا مع إمامٍ مُتّبع؟ هذا من الفرية في الدين والعدول عن سبيل المؤمنين والأدلة على إبطال هذا القول أشهر من أن تُذكر, من ذلك عموم الأمر بالجهاد والترغيب فيه والوعيد في تركه, قال تعالى: (وَلَوْلاَ دَفْعُ اللّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ), وقال في سورة الحج: (وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ).. الآية, وكل من قام بالجهاد في سبيل الله فقد أطاع الله وأدى ما فرض الله ولا يكون الإمام إمامًا إلا بالجهاد". انتهى كلامه رحمه الله.
بل إنك توافق وبلا شك أنّ هذه الحكومات سعت بكل ما أوتيت لحرب الجهاد ومنع المسلمين من نصرة إخوانهم في الدين.
قال شيخ الإسلام رحمه الله: "فأيما طائفة امتنعت من بعض الصلوات أو الصيام أو الحج أو عن التزام تحريم الدماء والأموال والخمر والزنا والميسر أو عن نكاح ذوات المحارم أو عن التزام جهاد الكفار أو ضرب الجزية على أهل الكتاب وغير ذلك من واجبات الدين ومحرّماته التي لا عذر لأحد في جحودها وتركها, التي يكفر الجاحد لوجوبها؛ فإن الطائفة الممتنعة تُقاتل عليها وإن كانت مُقِرّةً بها, وهذا مما لا أعلم فيه خلافًا بين العلماء". انتهى كلامه رحمه الله.
هذا في من ترك التزام الجهاد أو ضرْب الجزية على الكفار, فكيف من مكّن للكفار في أرض الإسلام بل وقاتل من يقاتلهم, أليس أولى بالقتال ؟!
إذا عُلِم ذلك فهل بقي عندك شك أن الجهاد في عصرنا فرض عين؟ وما دام الجهاد فرض عينٍ فلمَ لا نبادر أخي بالنفير والاستجابة ونستغفر عن كل يومٍ قعدنا فيه عن الجهاد, ألا نخشى أن ينطبق علينا قول الله سبحانه: (وَلَـكِن كَرِهَ اللّهُ انبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُواْ مَعَ الْقَاعِدِينَ*لَوْ خَرَجُواْ فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالاً ولأَوْضَعُواْ خِلاَلَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ), أفيرضيك أن تكون من أصحاب هذه الآية؟
لقد أنكر الله على عباده تأخرهم عن قتال أعدائه, ولما كان المانع من قتالهم هو في الغالب الخوف, قال سبحانه: (أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَوْهُ إِن كُنتُم مُّؤُمِنِينَ) تُرى ما الذي يمنعنا من قتالهم إن لم يكن الخوف من قوتهم فلا نحن قاتلناهم ولا أعددنا لقتالهم وإنما جلسنا نندب جراحنا كالنائحات ثم نضخِّم قوتهم ونستضعف قوتنا ونردد على منابرنا وامعتصماه واصلاحاه! فشبّ الصغير وهرِم الكبير ونحن ننتظر.
إن كنت قاعدًا ولا بد ::
فاسمع لقول الله يخاطب عباده المؤمنين ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ أَرَضِيتُم بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ) إن هذه الآية تدلنا على أن القعود إذا استُنفر العبد في سبيل الله رضًا بالحياة الدنيا من الآخرة, فهل أشد من هذا الزجر؟
وأشد منه ما يليه: (إِلاَّ تَنفِرُواْ يُعَذِّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً وَيَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ وَلاَ تَضُرُّوهُ شَيْئاً وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ).
قال شيخ الإسلام: "فمن ترك الجهاد عذّبه الله عذابًا أليمًا بالذل وغيره ونزع الأمر منه فأعطاه لغيره فإنّ هذا الدين لمن ذبّ عنه" انتهى كلامه رحمه الله.
إن كان ولا بد من القعود ::
فاسمع لقول الله سبحانه: (لاَ يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ أَن يُجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ*إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ) أيرضيك أن توصف بصفة الذين ارتابت قلوبهم فهم في ريبهم يترددون؟ إضافة إلى كونهم لا يؤمنون بالله واليوم الآخر؟
قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله- بعد هذه الآية: "فهذا إخبارٌ من الله أنّ المؤمن لا يستأذن في ترك الجهاد, وإنما يستأذن الذين لا يؤمنون بالله, فكيف بالتارك من غير استئذان؟".
وقال شيخ الإسلام -رحمه الله- : "وكذلك من يترك الجهاد الذي لا مصلحة لهم بدونه فإنه يُعاقب بهجرهم له لمّا لم يعاونهم على البر والتقوى, فالزناة واللوطية وتارك الجهاد وأهل البِدع وشربة الخمر هؤلاء كلهم ومخالطتهم مضرة على دين الإسلام وليس فيهم معاونة لا على بر ولا على تقوى فمن لم يهجرهم كان تاركًا للمأمور فاعلًا للمحظور" انتهى كلامه رحمه الله.
أفيرضيك أن تُقرن بالزناة واللوطية وأهل البِدع وشربة الخمر؟
أخي يُحزنني أن أراك تتردد عن النفير وتدعو إلى القعود مقلبًا الأعذار مُفتِّشًا فيها, فتارة استعظام قوة العدو, وتارةً الخوف من الأسر والفتنة في الدين, وتارةً الشُّح بالوطن والمال والولد, أيحسن بك أن تُشابه الذين قال الله فيهم: (لَقَدِ ابْتَغَوُاْ الْفِتْنَةَ مِن قَبْلُ وَقَلَّبُواْ لَكَ الأُمُورَ حَتَّى جَاء الْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللّهِ وَهُمْ كَارِهُونَ*وَمِنْهُم مَّن يَقُولُ ائْذَن لِّي وَلاَ تَفْتِنِّي أَلاَ فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُواْ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ) وترى كثيرًا منا خذلوا هذا الدين يرددون نبتغي منهج السلامة ولا يبالون أن يكون منهج السلامة على حساب سلامة المنهج.
قال شيخ الإسلام -رحمه الله-: "ولمّا كان في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والجهاد في سبيل الله من الابتلاء والمِحن ما يُعرّض به المرء للفتنة؛ صار في الناس من يتعلل لترك ما وجب عليه من ذلك كما قال عن المنافقين: (وَمِنْهُم مَّن يَقُولُ ائْذَن لِّي وَلاَ تَفْتِنِّي أَلاَ فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُواْ)...الآية, ثم قال: يقول نفس إعراضه عن الجهاد الواجب ونُكُولِه عنه وضعف إيمانه ومرض قلبه الذي زيّن له ترك الجهاد فتنة عظيمة قد سقط فيها فكيف يطلب التخلص من فتنة صغيرة لم تصبه بوقوعه في فتنة عظيمة قد أصابته والله يقول: (وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلّه) فمن ترك القتال الذي أمر الله به لأن لا تكون فتنة فهو في الفتنة ساقط فيما وقع فيه من ريب قلبه ومرض فؤاده وتركه ما أمر الله به من الجهاد" انتهى كلامه رحمه الله.
إن كنت ولا بد قاعدًا هروبًا من الأسر وخوفًا من سطوة الجلّادين ومن حرارة سياط المحقّقين؛ فتذكر قول الله سبحانه: (وَقَالُواْ لاَ تَنفِرُواْ فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرّاً لَّوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ) تذكّر أنها وإن كانت حارة فإن حرارة جهنم أعظم منها وأشد فتوقّى من تلك بهذه, وتحمّل قدر الله لتنجو من عقابه, وإياك أن تترك طاعته جزعًا من قدره فإن الله يتوعد بقوله: (فَلْيَضْحَكُواْ قَلِيلاً وَلْيَبْكُواْ كَثِيراً جَزَاء بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ).
قال سيد قطب -رحمه الله- : "( وَقَالُواْ لاَ تَنفِرُواْ فِي الْحَرِّ) وهي قولة المسترخي الناعم الذي لا يصلح لشيء مما يصلح له الرجال, إنّ هؤلاء لهم نموذجٌ لضعف الهمّة وطراوة الإرادة وكثيرون هم الذين يُشفقون من المتاعب ويُنفِّرون من الجهد ويؤثرون الراحة الرخيصة على الكدح الكريم ويُفضِّلون السلامة الذليلة على الخطر العزيز وهم يتساقطون إعياءً خلف الصفوف الجادة الزاحفة العارفة بتكاليف الدعوات" انتهى كلامه رحمه الله.
(وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ وَلَئِن جَاء نَصْرٌ مِّن رَّبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ أَوَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ الْعَالَمِينَ* وَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنَافِقِينَ)
إن كان ولا بد من القعود ::
فتأمل قول الله تعالى: (إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللّهِ فَاسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ), قال سيد قطب -رحمه الله- : "إنه نصٌّ رهيب, إنه يكشف عن حقيقة العلاقة التي تربط المؤمنين بالله وعن حقيقة البيعة التي أعطوها بإسلامهم طوال الحياة, فمن بايع هذه البيعة ووفّى بها فهو المؤمن الحق الذي ينطبق عليه وصف المؤمن وتتمثل فيه حقيقة الإيمان, وإلا فهي دعوى تحتاج إلى التصديق والتحقيق, حقيقة هذه البيعة أو هذه المبايعة كما سمّاها الله كرمًا منه وفضلًا وسماحة أنّ الله سبحانه قد استخلص لنفسه أنفس المؤمنين وأموالهم فلم يعد لهم منها شيء, لم يعد لهم أن يستبقوا منها بقية لا ينفقونها في سبيله, لم يعد لهم خيارٌ في أن يبذلوا أو يُمسِكوا, كلا, أنها صفقة مُشتراة, لشاريها أن يتصرف بها كما يشاء وفق ما يفرض ووفق ما يحدد وليس للبائع فيها من شيء سوى أن يمضي في الطريق المرسوم لا يتلفت ولا يتخير ولا يُناقش ولا يجادل ولا يقول إلا الطاعة والعمل والاستسلام, والثمن هو الجنة, والطريق هو الجهاد والقتل والقِتال, والنهاية هي النصر أو الاستشهاد" انتهى كلامه رحمه الله.
ولو تأملت يا أخي فإن الله ذكر القِتال, فقال: (يُقَاتِلُونَ) ولم يقل يجاهدون, وأكّد القتال بقوله: (فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ) فهل بعد ذلك سيخرج علينا خارجٌ ليقول إن الجهاد في هذه الآية لفظٌ عام يشمل جهاد النفس والشيطان والكفار والمنافقين؟
أبعد هذا مجال لنُشكّك في فضل الجهاد في سبيل الله الذي هو القتال؟
إن كنت مُعتذِرًا بالعجز؛ فتذكّر حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:
"مَن مات ولم يغزُ ولم يحدث به نفسه مات على شعبة من النفاق" رواه مسلم.
ولتعلم أن مجرّد حديث النفس بالغزو مع القدرة عليه دعوى مجرّدة يكذِّبها الواقع, قال شيخ الإسلام -رحمه الله-: "فلهذا كان الجهاد المتعين بحسب الإمكان من الإيمان وكان عدمه دليلًا على انتفاء حقيقة الإيمان, بل قد ثبت في الحديث الصحيح عنه "من مات ولم يغز ولم يحدث نفسه بالغزو مات على شعبة نفاق" وفي الحديث دلالة على أنه يكون فيه بعض شعب النفاق مع ما معه من الإيمان" انتهى كلامه رحمه الله.
جيء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم برجل شرب الخمر, فأمر بضربه, وبعد ذلك سبّه رجلٌ من المؤمنين, فنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك وشهِد له أنه يحب الله ورسوله, وبالمقابل كعب ابن مالك رضي الله عنه بايع ليلة العقبة, شهد المشاهد كلها سوى بدر, لكنه تخلّف عن غزوة تبوك مع اثنين آخرين منهما هلال بن أمية .. فغضب عليه صلى الله عليه وسلم -وقلّ ما كان يغضب- بل هجره وهو بالمؤمنين رؤوفٌ رحيم! وأمر المؤمنين بهجره وهجر صاحبيه فلا يُكلّمون ولا يُرد عليهم السلام, ويدخل كعبٌ على أبي قتادة ابن عمه وأحب الناس إليه, فيسأله: "هل تعلم أني أحب الله ورسوله؟" فلا يجيبه, ولمّا ألح كعبٌ في السؤال, قال: "الله ورسوله أعلم". وبعد أربعين ليلة من الهجران أمرهم باعتزال زوجاتهم فجاءت زوجة هلال ابن أمية إلى الرسول صلى الله عليه وسلم قائلة: "يا رسول الله إن هلال ابن أمية شيخٌ ضائع فهل تكره أن أخدمه؟ فقال: "لا, ولكن لا يقربنّك".
فهل تستطيع أن تعتذر بأنك شيخٌ ضائع؟
تُرى :
هل تركت قصة هلال رضي الله عنه لنا من الأعذار شيء؟
فإن كنت تريد النفير أو تتمناه لكن منعك العجز وقلة الحيلة فقد وضع الله علامة يتبين بها الصادق من الكاذب فقال سبحانه: (وَلَوْ أَرَادُواْ الْخُرُوجَ لأَعَدُّواْ لَهُ عُدَّةً) فإن كنت صادقًا في ما تدعي فأعد العدة فإن إعداد العدة إعذارٌ إلى الله وإحياءٌ لفريضة الجهاد في النفوس وتربيةٌ للنشء عليها لعل الله أن يمن علينا بجيل التمكين بعد أجيالٍ من التيه.
وإعداد العدة بابٌ واسع يُطلب علمه في مظانه, وأقل ما يكون به الإعداد امتلاك السلاح والتدرب عليه وتعلم فنون القتال بالإضافة إلى الرياضة البدنية.
تأمّل يا أخي وانظر في حالك وإياك أن يُقعدك عن الجهاد في سبيل الله هوى نفسك وشهوتها من حب للمال والولد والوطن واحذر أن تترك الجهاد لأن فلانًا لم يجاهد فإنك لن تُسأل إلا عن نفسك ولن يُغني عنك من الله أحد, أرأيتك لو أن فلانًا ترك الصلاة؛ أكنت تاركها؟
إنّ الذي شرع الجهاد هو الذي شرع الصلاة فلا تُقدِّمنّ على شرع الله رأي أحدٍ كائنًا من كان.
فإن كنت قاعدًا ولا بد؛ فليجد المجاهدون من النصر ولو بكلمة تذب بها عنهم أو سهام من سهام الليل تمدهم بها فإنها أعظم سلاحهم, والحذر الحذر أن تصد أحدًا عن الجهاد في سبيل الله مهما كان داعيك إلى ذلك, كيف تتجرأ على النهي عن طاعة أحبّها الله وأمر بها عباده وأوجبها في مثل هذه الحال؟
قال ابن حزم -رحمه الله-: "ولا إثم بعد الكفر أعظم من إثم من نهى عن جهاد الكفار وأمر بإسلام حريم المسلمين إليهم من أجل فِسق رجل مُسلمٍ لا يُحاسب غيره بفسقه" انتهى كلامه رحمه الله.
إن كنت قاعدًا ولا بد؛ فالزم بيتك وإياك ثم إياك أن تُرى ضِدًّا للمجاهدين أو مخالفًا لهم أو واقعًا في أعراضهم أو خاذلًا لهم, اسمع حديث الرسول صلى الله عليه وسلم ثم اختر ما يناسبك: "لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على أمر الله لا يضرهم من خالفهم ولا خذلهم حتى يأتي أمر الله" رواه مسلم.
قال شيخ الإسلام في فتواه يحرِّض على قتال التتار لمّا دخلوا حلب: "فهذه الفتنة قد تفرّق الناس فيها ثلاث فِرق: الطائفة المنصورة وهم المجاهدون لهؤلاء القوم المفسدين, والطائفة المخالفة وهم هؤلاء القوم ومن تحيّز إليهم من خبالة المنتسبين إلى الإسلام, والطائفة المخذِّلة وهم القاعدون عن جهادهم وإن كانوا صحيحي الإسلام, فلينظر الرجل أيكون من الطائفة المنصورة أم من الخاذلة أم من المخالفة فما بقي قِسمٌ رابع" انتهى كلامه رحمه الله.
إن كنت قاعدًا ولا بد؛ فليسعك بيتك وإياك أن تقف موقفًا تلمز فيه المجاهدين وتطعن فيهم فيحفظ التاريخ موقفك كما حفظ موقف عبد الله ابن أُبي والجد ابن قيس, كن على حذر فإن التاريخ لا يرحم ولئن كان التاريخ بالأمس حفظ من المخازي ما نقله لنا حبرًا على ورق فإن تاريخنا سينقلها لأحفادنا بالصوت والصورة فما أعظم الخزي وما أشد الفضيحة ولا فضيحة أعظم من يومٍ تُنشر فيه الصحف وتُبلى فيه السرائر.
اللهم أرنا الحق حقًّا وارزقنا اتباعه وأرنا الباطل باطلًا وارزقنا اجتنابه.
اللهم اجعلنا من أنصار دينك ممن تحبهم ويحبونك أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيلك ولا يخافون لومة لائم.
ربنا أفرغ علينا صبرًا وثبِّت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .